المساواة في الإسلام

اثنين, 08/24/2015 - 17:03

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم الناصر وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم .

المحاضرة الثانية في هذا المحور علاجية وستتناول العناصر التالية :

1 ـ حرص الشريعة الإسلامية على نشر ثقافة المحبة والسلم والوئام من خلال النصوص الشرعية الواردة في ذلك .

2 ـ شواهد عملية من دور الطريقة التيجانية في نشر هذه الثقافة من خلال رسائل الشيخ ووصاياه وآثار كبار تلامذته

إن الإسلام دستور كامل وشرع متماسك لا تمييز فيه بين الأفراد ولا بين القبائل والأجناس فالناس كلهم متساوون في 

الحقوق والواجبات لأنم ينتمون لأب واحد وأم واحدة كما قال سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه :

الناس من جهة التمثيل أكفاءُ                 أبوهم آدم والأم حواء 

فإن يكن لهم في أصلهم شرف                يفاخرون به فالطين والماء

وقد صرح الله تعالى بهذه الحقيقة في كتابه العزيز بقوله:" يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا 

وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" . وفي الحديث الصحيح " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على 

عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى " ، وقد سد الإسلام الطرق دون الاختلاف وحذر من 

العقيدة الجاهلية الممقوتة التي تثير زعازع الخلاف والفتن وقرر بأن الناس جميعهم عبيد لله متساوون في العبودية 

والحقوق ولا يحق لأحد منهم مهما علت رتبته وسمت منزلته أن يستعلي بها على غيره من عباد الله قال تعالى :" إن 

كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" .

فالتفاضل في الإسلام إنما هو بالعلم والعمل والأعمال الصالحة  لا بالآباء والجدود ولا بالألوان ولما خاطب سيدنا أبو ذر 

رضي الله عنه أحد الصحابة الكرام بقوله : يا بن السوداء،  وبخه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا له أعيرته بأمه ؟ إنك 

امرؤ فيك جاهلية ، وتعبير ذلك أنه مازالت فيه خصلة من خصال الجاهلية التي جاء الإسلام لمحاربتها والقضاء عليها .

وفي غزوة المريسيع لما تنازع رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار على الاستقاء من الماء وقع بينهما تضارب 

واستصرخ كل واحد منهما جماعته وفئته حتى كاد يقع القتال بين الفريقين قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبدعوى 

الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم؟ ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوها إنها منتنة أي خبيثة وقد قرر النبي 

صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بأن الأنساب لا تكفي وحدها لحيازة الفضل والشرف ، وأن الأعمال الصالحة 

وحدها هي الموصل لذلك فقال صلى الله عليه وسلم : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه . وقال صلى الله عليه وسلم 

مخاطبا لبني عمومته : الأدنين من بني هاشم "يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم "   

وقد قرر الإسلام مبدأ الأخوة العامة بين المسلمين توثيقا للروابط وتأكيدا للصلات بينهم وجمعا للكلمة وإزالة للفوارق 

العصبية وهدما للحواجز العنصرية فجعل المسلمين أمة واحدة كالإخوة الأشقاء لأب وأم يتراحمون و يتناصرون 

ويتعاونون و يتناصحون  فقال تعلى :"إنما المؤمنون إخوة " وقال تعالى :" وإن تابوا وأقاموا الصلاة و آتوا الزكاة 

فإخوانكم في الدين " وقال :" وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " وقال تعالى :" واعتصموا بحبل الله جميعا 

ولا تفرقوا " وقال جل من قائل :" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " 

وفي الحديث الشريف " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره"

وقال صلى الله عليه وسلم : "المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد  بالسهر والحمى"

وقال أيضا: المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : " المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى 

بذمتهم أدناهم "؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "الناس سواسية كأسنان المشط" والمعنى أنهم متساوون في الحرمة 

والحقوق وجميع الواجبات كتساوي أسنان المشط في الطول والقدر والاستواء وهو تمثيل بليغ في غاية الحسن 

فالأخوة الإسلامية تؤلف بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتجعل من أخوتهم وتماسكهم وتعاضدهم بناء 

محكما راسخ الأساس قوي الأركان لا تزعزعه العواصف الهوجاء؛ ومن حقوق هذه الأخوة المتينة أن يرعى المسلم 

أخاه المسلم فلا يضيعه ولا يخذله ولا يتهاون في أموره. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من لم يهتم بأمر المسلمين 

وفي الناس اليوم من يريد أن يبعث الجاهلية ويوقظ الأحقاد والضغائن التي جاء الإسلام لمحاربتها والقضاء عليها 

وقطع حبالها ووسائلها فالمسلمون جميعهم ربهم واحد  ورسولهم واحد وكتابهم واحد وشريعتهم واحدة وآدابهم واحدة 

وأخلاقهم واحدة؛ تربطهم روابط الأخوة الدينية التي تتضاءل أمامهما جميع الفوارق من النسب والأقطار والبلدان، 

فنقول للذي يريد أن يفرق الكلمة ويثير النعرات الجاهلية الممقوتة "دعها فإنها منتنة"؛ فائتلاف القلوب واحترام 

الشعور واتحاد الغايات والمناهج هو الذي ربط المسلمين الأولين جميعهم برباط الدين وقضى على جميع الفوارق 

وجعلهم إخوانا متعاونين متراحمين متعاضدين على الخير والتقوى وهو الذي ساوى بين القرشي الهاشمي وبين بلال 

الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وجعلهم سواسية كأسنان المشط ؛ فكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب 

رضي الله عنه في زمن خلافته الراشدة إذا اجتمع الناس على بابه يريدون الدخول عليه وفيهم سادات قريش وأشرافهم 

مثل أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وغيرهم يأذن لبلال وصهيب بالدخول عليه قبل هؤلاء الزعماء الآخرين فإذا 

غضبوا من ذلك يقول بعضهم لبعض هؤلاء الذين دخلوا قبلكم دعوا فأجابوا أول وهلة وأنتم دعيتم إلى الإسلام فأبطأتم 

وتأخرتم فلا تلوموا عمر ولوموا أنفسكم وكان المسلمون الأوائل بهذه الأخوة التي هذا شأنها  أمة واحدة قوية متماسكة 

استطاعت بقوتها وتماسكها وصلابة بناءها أن تسيطر على العالم وأن تدوخ مملكة الروم وفارس وغيرها من الممالك  

المسيطرة العاتية ولم تزل كذلك ردحا من الزمن غير قصير حتى مزقت وحدتها الدعوات القومية والآراء والعصبيات 

والدعوات الجاهلية والغلو والتطرف فكثر بذلك الهرج وعظمت الفتن وأريقت الدماء واجتاحت بلاد الإسلام والمسلمين 

فتن عمياء صماء ذهب ضحيتها أرواح الآلاف المؤلفة من الأبرياء نتيجة الغلو والتطرف وسوء الفهم في نصوص 

العنصر الثاني: شواهد عملية من دور الطريقة التيجانية في نشر هذه الثقافة من خلال رسائل الشيخ ووصاياه وآثار 

الطريقة التجانية حفظها الله ورعاها وعمر أركانها وأنار برهانها خير مثال وأصدق شاهد على التصوف الحق القائم 

على التزكية والتطهير من أوساخ النفوس وأدرانها وإعداد الدواء الناجع لعللها وأسقامها .

فهي الطريقة المستقيمة الهادية المهدية ، النابع معينها الصافي وشربها السلسبيل من تعاليم الكتاب والسنة النبوية 

المطهرة ، فنصائح أئمتها وإرشاداتهم ووعظهم يدور في معظمه على الدعوة إلى السلام والوئام والتآخي والتحابب 

والمحافظة على رص صفوف المسلمين وجمع كلمتهم والنصيحة لهم والشفقة على جميع خلق الله والتوقير لكبيرهم 

والرحمة لصغيرهم ، وبر الوالدين وخفض الجناح لهم ، ورعاية الضعفة والمساكين وتفقدهم وبرهم ومواساتهم والحث 

على الإنفاق من كل ما أنعم الله به على العبد ، كما أنها تدعو إلى تطهير القلوب من أوساخها وأدرانها ومداواة عللها 

وأمراضها كالغل والغش والحسد والكبر والظلم والقسوة والفخر و التعالي على الناس وحب المحمدة .

وهذا هو الدواء الناجع والبلسم الشافي لما تعانيه البشرية اليوم من التفرق والتشرذم والتقاطع والتدابر والهرج وسفك 

الدماء وأنواع الفتن وضروب الإرهاب الذي منشأه كله الجهل وسوء الفهم واحتكار الصواب وإليكم الأمثلة والشواهد 

من كلام الشيخ رضي الله عنه وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين .

ـ نماذج من وصايا الشيخ رضي الله عنه في رسائله ونصائحه

1ـ الأمر بمداومة التوبة في سائر الأوقات والأحوال وإدمان الصدقة ولو قلت في كل يوم و ارتقاب المؤاخذة على 

الذنوب والتنفيس عن المديون والمكروب ، ومن لم يتب من ذنوبه وتضرع في التوبة منها إلى الله عز وجل فليعلم أنه 

ساقط من عين الله متعرض بذلك لسخطه وعقوبته ..... إلخ 

2ـ شرط الورد المدوامة  على الصلوات في الجماعات ، وإياكم ولباس حلة الأمن من مكر الله فإنه عين الهلاك.

3ـ إياكم وعقوق الوالدين ومقاطعة الأرحام وإذاية المؤمنين وتتبع عوراتهم فإن من فعل ذلك  تتبع الله عورته ومن تتبع 

4 ـ ترك المقاطعة مع جميع الخلق لاسيما من آخاكم في الطريقة .

5ـ زوروا في الله وواصلوا في الله وأطعموا في الله ما استطعتم.

6ـ عليكم بصلة الأرحام من كل ما يطيب القلب ويوجب المحبة ولو بتفقد الحال وإلقاء السلام .

7ـ أكثروا من العفو عن الزلل والصفح عن الخلل من كل مؤمن ، ومن جاءكم معتذرا فاقبلوا عذره وسامحوه فإن شر 

الإخوان عند الله  من لا يقبل عذرا ولا يقيل عثرة .

8ـ عليكم بعدم الاعتراض على الناس فيما أقامهم  الله فيه فإن أمورهم تجري على المشيئة الإلهية  إلا ما أوجب الشرع 

9ـ عليكم بمناصحة إخوانكم في الطريقة برفق ولين وسياسة من غير ضغينة ولا حقد .

10ـ إياكم ثم إياكم أن يهمل أحدكم حقوق إخوانه مما هو جلب مودة أو دفع مضرة أو إعانة على كربة فإن من ابتلي 

بتضييع حقوق الإخوان ابتلاه الله بتضييع الحقوق الإلهية .

11ـ أحسنوا إلى خلق الله، فإن الله يحب الإحسان على عبيده .

12ـ تجنبوا جميع وجوه الغش والتدليس والكذب واقتحام جميع ما حرم الله من ذلك بنصوص الشرع ، فإن المنهمك في 

13ـ أوصيكم بالضعفاء من الخلق فإنهم محل نظر الله من خلقه فعلى قدر اعتنائكم بهم ترتفع رتبتكم عند الله .

14ـ سلموا لولاة الأمور ما أقامهم الله فيه إلخ .

هذه نماذج يسيرة جدا من وصايا الشيخ رضي الله عنه ونصائحه لأحبابه وللمنتمين إلى طريقته وهي تدل على علو 

كعبه وشفوف رتبته في التربية وحرصه الشديد على جمع كلمة المسلمين ورص صفوفهم وانتظام أُلفتهم وشد 

أواصرهم وتآخيهم في ما بينهم ، فيا ليت شبابنا اليوم يقبلون على دراسة رسائل الشيخ ونصائحه بقلوب واعية 

وصدور رحبة فيفهمونها حق الفهم ويتأدبون بآدابها ويتخلقون بما اشتملت عليه من الأوصاف الحميدة والآداب الرفيعة  

المجيدة التي هي خير زاد لمن يرغب في حياة طيبة هنيئة يسودها الحب والوئام والتعاضد والتعاون على البر والطاعة 

والمواساة والإيثار ، فهنالك تحلو الحياة وتصفو من الأكدار والهموم والغموم وتخلو من كل تشويش وترويع وتنغيص 

، وقد نصح بمثل هذا حسان الطريقة سيدنا محمدي ابن سيدي عبد الله العلوي قبل زماننا هذا بمائتي سنة فقال من 

جملة قصيدة ينصح فيها بمطالعة رسائل الشيخ ونصائحه .

طالع جواهره واصحب رسائله                                     وما يبث من الأنوار  والحكم      

كما تفطن لذلك  أيضا وتنبه له العلامة الأوحد إمام المنصفين سيدي عبد الله ابن احمد دام الحسني القادري رحمه الله 

فقال من جملة قصيدة له يدافع بها  عن الشيخ رضي الله عنه وعن طريقته :

من ينظر الكتب التي أفاد بها              ينظر كلام محق كله رشد  

وللسيد الأجل القدوة سيدي محمد فال بن باب رضي الله عنه كثير من الإرشادات التربوية والنصائح التوجيهية والحض 

على الائتلاف والتحذير من مغبة الاختلاف مثل قوله :

إني أشرت لجملة الإخوان                       بترك سبل النفس والشيطان 

إن التباعد والتباغض والتدا                      بر كلها عنها نهى العدنــــــاني

إن اتباع طريقه خير لنــــا                      عقبى من البغضاء و الشنئان  

فليشهد الثقلان طرا أننا                        مستمسكون بمحكم القرآن 

وحديث جبريل الذي قد جـــــا         ء في الإسلام والإيمان والإحسان 

وكلام شطح الأوليا لم ندره              لصعوبة والضعف في  الأذهان 

أنى لنا إنكاره أو غيره                    عن فهمـــــــه  هذان فرع ثان

ومن فرائد الفوائد في هذا المجال ما كتبه شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم انياس في توجيه شباب الأمة وحثهم على السعي 

في تحصيل العلم والتوجه إلى الله تعالى بصحبة أهل الله قال في رسالة الإيمان بالقضاء في مسألة غزو الفضاء ما 

نصه: "إن مستقبل كل كل وطن إنما يتوقف على شبابه لكن لا على كل الشبان بل على الشباب ذوي الأخلاق الحميدة 

والهمم العالية ؛ فأما شباب بلا أخلاق فغرس بلا ثمر فجدوا واجتهدوا في تحصيل العلم ، ليس علم الفرائض والنوافل 

فحسب وليس علم الحساب فحسب وليس علم اللغة والنحو والصرف والبلاغة بفروعها  فحسب ولكن شاركوا من 

هذا والتجانييون بحمد الله تعالى من أنصح خلق الله لعبيد الله وأشدهم حرصا على جمع الكلمة والدعوة إلى الائتلاف و 

التحذير من أسباب الفرقة والاختلاف فتراهم يدعون للمسلمين ولولاة أمورهم وراء الغيب من غير شعور منهم ولا علم 

يريدون بذلك وجه الله تعالى وأداءً منهم للنصيحة الواجبة على المسلم لأخيه المسلم .

فالله يرحم سلف أهل هذه الطريقة ويرضى عنهم ما كان أحرصهم على أتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان 

أطهرهم وأزكاهم و أورعهم وأتقاهم وما أشد نصحهم لعباد الله في سرهم ونجواهم يوالون في الله ويعادون فيه ، 

قلوبهم طاهرة ونفوسهم زكية خالصة من رق الأغيار لا يستندون إلا إلى الله ولا يتوكلون على غيره ولا يرون الضر 

والنفع إلا منه . فهم كما قال حجة الطريقة ولسانها سيدي محمد فال بن باب رضي الله عنه :

فهب يا مسكين من سكر الكرا            ولتكُ من رُعونة النفس براَ

وما سوى الإله فانبذ بالعرا               والنفع منه لاترم والضررا

لا تخشه فإنه لن يقدرا                                                                                    

ولا يخفي على أولي الألباب ما تضمنته وصايا الشيخ رضي الله عنه وما استطردنا بعدها من كلام ورثته وخلفائه  من 

النفائس التي يجب على شباب الأمة الإسلامية عامة وشباب الطريقة خاصة أن يجعلوا منها نبراسا يهتدون به في 

ظلمات هذا الزمان الردي الذي أصبح العاض فيه على دينه كالقابض على الجمر.